سورة يس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} قرأ عاصم وحمزة: {ننكسه} بالتشديد، وقرأ الآخرون بفتح النون الأولى وضم الكاف مخففا، أي: نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق.
وقيل: {ننكسه في الخلق} أي: نضعف جوارحه بعد قوتها ونردها إلى نقصانها بعد زيادتها. {أَفَلا يَعْقِلُونَ} فيعتبروا ويعلموا أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت.
قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا: إن محمدًا شاعر، وما يقوله شعر، فأنزل الله تكذيبًا لهم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي: ما يتسهل له ذلك، وما كان يتزن له بيت من شعر، حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرًا.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد الثقفي، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما قال الشاعر:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا ***
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا، فقال أبو بكر وعمر: أشهد أنك رسول الله، يقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه قال: قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة.
قالت: وربما قال: ويأتيك بالأخبار من لم تُزَوِّدِ وقال معمر عن قتادة: بلغني أن عائشة سئلت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان الشعر أبغض الحديث إليه، قالت: ولم يتمثل بشيء من الشعر إلا ببيت أخي بني قيس طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فجعل يقول: «ويأتيك من لم تزود بالأخبار» فقال أبو بكر رضي الله عنه: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي».
{إِنْ هُوَ} يعني: القرآن {إِلا ذِكْرٌ} موعظة {وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} فيه الفرائض والحدود والأحكام.


{لِيُنْذِر} قرأ أهل المدينة والشام ويعقوب {لتنذر} بالتاء وكذلك في الأحقاف، وافق ابن كثير في الأحقاف أي: لتنذر يا محمد، وقرأ الآخرون بالياء أي لينذر القرآن {مَنْ كَانَ حَيًّا} يعني: مؤمنا حي القلب؛ لأن الكافر كالميت في أنه لا يتدبر ولا يتفكر {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ} ويجب حجة العذاب {عَلَى الْكَافِرِينَ}.
قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} تولينا خلقه بإبداعنا من غير إعانة أحد {أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} ضابطون قاهرون، أي: لم يخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها، بل هي مسخرة لهم.
وهي قوله: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} سخرناها لهم {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} أي: ما يركبون وهي الإبل {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} من لحمانها.


{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} من أصوافها وأوبارها وأشعارها ونسلها {وَمَشَارِب} من ألبانها {أَفَلا يَشْكُرُونَ} رب هذه النعم.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} يعني: لتمنعهم من عذاب الله، ولا يكون ذلك قط.
{لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} قال ابن عباس: لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب. {وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} أي: الكفار جند للأصنام يغضبون لها ويحضرونها في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرا، ولا تستطيع لهم نصرا. وقيل: هذا في الآخرة، يؤتى بكل معبود من دون الله تعالى ومعه أتباعه الذين عبدوه كأنهم جند محضرون في النار.
{فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} يعني: قول كفار مكة في تكذيبك {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} في ضمائرهم من التكذيب {وَمَا يُعْلِنُونَ} من عبادة الأصنام أو ما يعلنون بألسنتهم من الأذى.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} جدل بالباطل {مُبِين} بين الخصومة، يعني: إنه مخلوق من نطفة ثم يخاصم فكيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع الخصومة.
نزلت في أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى الله عليه وسلم في إنكار البعث، وأتاه بعظم قد بلي ففتته بيده، وقال: أترى يحيى الله هذا بعد ما رَمَّ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم ويبعثك ويدخلك النار» فأنزل الله هذه الآيات.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8